السلفيون.. ألغام زرعها مبارك ضد الإخوان وإنفجرت في الثورة
الاربعاء ٣٠ مارس ٢٠١١ - ٠٩: ٤٨ ص
في يوم 19 مارس (آذار) الجاري، وبمناسبة الإستفتاء على التعديلات الدستورية، أدرك المصريون أن هناك خطرًا آخر على ثورتهم، لم يتحسبوا له، ولم يطرأ على بالهم كيفية مواجهته. إنه التيار السلفي الذي تحول فجأة إلى ما يشبه الألغام المزروعة في أرض ثورة 25 يناير.
أدرك السياسيون وغالبية المصريين أن للتيار السلفي قوة كبيرة، وأنه يتميز بالقدرة على التأثير في البسطاء وحشد أنصاره سريعاً، لكن الأخطر هو تشدده وإطلاقه فتاوي التكفير ضد "الآخر" المختلف معه في الأفكار، حتى ولو كانت أفكارًا سياسية، وتغييرًا ما يرون أنه منكر بالعنف ومن دون الرجوع إلى القضاء.
جرائم السفلية
خلال الأسبوعين الماضيين، وقعت أحداث عنف عدة، كان أبطالها أصحاب التيار السلفي، كان الحادث الأول من نصيب مدينة قنا في جنوب مصر، حيث أحرق مجموعة من السلفيين منزل مواطن قبطي، وقطعوا أذنه، عقاباً له على تأجيره شقة له لفتاتين، كانتا تقيمان فيها بمفردهما، وظنوا ـ وبعض الظن إثم ـ أن الفتاتين تمارسان الرذيلة في تلك الشقة.
وكان الحادث الثاني من نصيب محافظة المنوفية، حيث أحرق سلفيون منزل إمرأة، وطردوها منه للشارع، عقاباً لها على ظنهم أنها تقيم علاقات غير شرعية مع الرجال. وهناك حادث آخر، تقول تفاصيله إن مجموعة من السلفيين هاجموا مقهى في مدينة أطسا في محافظة الفيوم، وأحرقوه، ووقع تبادل لإطلاق النار مع أصحاب المقهى، أدى إلى سقوط قتيل وخمسة مصابين.
لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل أطلق مشايخهم مجموعة من الفتاوى، كان أخطرها عدم جواز بناء الكنائس، وعدم جواز الصلاة في المساجد التي فيها أضرحة، مع ضرورة هدم تلك الأضرحة. وساهمت فتاوى أخرى في توجيه الرأي العام نحو الإستفتاء بـ"نعم" على التعديلات الدستورية، حيث حرمت فتوى صادرة من مشايخهم رفض التعديلات بحجة أنها سوف تساهم في إلغاء المادة الثانية من الدستور، والتي تنص على أن الشريعة الإسلامية المصدر الأساس للتشريع. فضلاً عن خطبة الشيخ محمد حسين يعقوب التي وصف فيها الإستفتاء بـ"غزوة الصناديق"، مشيراً إلى أن المصريين صوّتوا لمصلحة الدين، على من يرفض أن يرحل إلى كندا أو أميركا، في إشارة منه إلى الأقباط.
أفكار وقيادات
يتكون التيار السلفي في مصر من ستة تيارات مختلفة هي: جماعة أنصار السنة المحمدية، والجمعية الشرعية، وجماعة الدعوة السلفية، والسلفية المدخلية، والسلفية الحركية، والسلفيون المستقلون، وتعتبر الأولى والثانية الأكبر والأكثر إنتشاراً في مصر، وتعملان تحت غطاء الشرعية القانونية، ويحظى مشايخ أو قيادات السلفيين بشعبية طاغية، وعلى رأسهم محمد حسين يعقوب صاحب "غزوة الصناديق"، محمد حسان، وأبو إسحاق الحويني، ومحمود عامر صاحب فتوى إهدار دم الدكتور محمد البرادعي، عقاباً لخروجه على الرئيس السابق حسني مبارك، ياسر برهامي زعيم السلفيين في الإسكندرية.
لا يؤمن السلفيون بالإنتخابات النيابية ويرفضون الدستور، ويسعون إلى إنشاء خلافة إسلامية، ويحرمون الخروج على الحاكم، حتى ولو كان ظالماً، ولذلك أصدر أحد مشايخهم فتوى إهدار دم البرادعي لخروجه على مبارك. وبعضهم يكفر الحاكم الذي لا يحكم بما أنزل الله، ويعتقدون أن تبرج المرأة وخروجها للعمل من مظاهر الجاهلية، ويرفضون تولى المسيحي أو المرأة أو منصب قيادي في الدولة الإسلامية. يؤمنون بضرورة تغيير المنكر باليد، من دون الرجوع للقضاء.
ألغام ضد الثورة
السلفية ألغام زرعها النظام السابق ونشرها في شتي ربوع مصر، بهدف تغييب المصريين عن التفكير في الواقع السياسي المتردي وإلهائهم عن مشروع التوريث، وإتخاذهم كمخلب قط في مواجهة التيار الإسلام السياسي الذي يمثله الإخوان المسلمون، والكلام للدكتور أحمد على عثمان أستاذ سيكولوجيا الأديان في الجامعة الأميركية، لـ"إيلاف"، وقال إن نظام الرئيس مبارك السابق استشعر الخطر من إنخراط جماعة الإخوان المسلمين في العمل السياسي باسم الدين، وتقديم أنفسهم للمصريين على أنهم البديل الإسلامي له.
فبحث في دفاتره عمن يمكن أن يوقف زحفهم ويسحب البساط من تحت أقدامهم باسم الدين أيضاً، ولكن من دون أن يفتح شهية المصريين على العمل السياسي، بل يغيبهم عنه بشكل كبير، فإتجه نحو الصوفية في بادئ الأمر، إلا أنها خذلته، ولم يستطع أي من مشايخها تحقيق شعبية واسعة، ووجد ضالته في التيار السلفي مع منتصف التسيعنيات من القرن الماضي، عندما وجد أن الشيخ عمرو خالد حقق جماهيرة واسعة من خلال خطابه الديني الذي يركز على الحديث عن الجنة والنار وسيرة السلف الصالح من دون أن يتطرق ويخوض في السياسة.
وتابع عثمان: كانت خطة النظام تقوم على تقوية التيار السلفي ومنحه الحرية في ممارسة العمل الوعظي في المساجد والساحات وتحت أعين جهاز أمن الدولة، شريطة قصر الحديث عن سيرة السلف الصالح والحلال والحرام في ما يخص الحياة الخاصة مثل أمور الجماع بين الرجل وزوجته، وهل الجنس الفموي حرام أم حلال، وهل بول الطفل الذكر ينقض الوضوء أم بول الطفلة الأنثى، والتبرك ببول الرسول وبصاقة، وغيرها من الأمور الهامشية، فضلاً عن الحديث عن أوصاف الجنة والنار وحال أهلهما.
ومع بداية إطلاق القمر الصناعي المصري النايل سات، سمح النظام للسلفيين بإطلاق عشرات القنوات، وزادت مساحتهم في مخاطبة الجماهير، وصارت لشيوخهم شعبية طاغية، وكوّنوا ثروات ضخمة جداً. واستخدمهم النظام في تغييب الناس عن الواقع السياسي وإلهائهم عن مشروع التوريث، وقد حققوا الهدف بقصد أو بدون قصد، لكن تلك الألغام ظلت كامنة طوال حكم مبارك، ولم تنفجر إلا مع إنتصار الثورة، حيث طالب هؤلاء بدور سياسي رغم أنهم لا يؤمنون بالدستور أو الأحزاب أو المجالس البرلمانية.
الصدمة والدهشة
يشير شريف صادق عضو إئتلاف شباب الثورة إلى أن الشيخ محمد حسان، وهو أحد أهم قيادات التيار السلفي، خرج بعد إنتصار الثورة في العديد من الفضائيات معترفاً بأنه كان ينسق في كل خطواته وخطبه ولقاءاته، سواء في الخارج أو الداخل، مع جهاز أمن الدولة المنحل، وأنه كان يحصل على الإذن من ضباطه دائماً، الأمر الذي يؤكد أن السلفيين كانوا تحت سيطرة هذا الجهاز القمعي ويأتمرون بأوامره، مما يعني أنه كان يستخدمهم بالفعل في تغييب العقل الجمعي المصري عن الواقع المتردي سياسيًا وإقتصاديا وإجتماعياً.
وأضاف صادق لـ"إيلاف": المصريون جميعاً في حالة صدمة وأندهاش من سلوكيات السلفيين حالياً، حيث كانوا مسالمين جداً خلال سنوات حكم النظام السابق، ولم يسمع لأي منهم أي صوت على الإطلاق، ولم يطلبوا أبداً الإنخراط في العمل السياسي أو الحزبي، بل لم يتفوه أي منهم بأية كلمة تمس السياسة، سواء الخارجية أو الداخلية من بعيد أو من قريب. أما الآن، وبعد إنتصار الثورة، اتجهوا للممارسة العمل السياسي رغم أنهم يرفضون الدستور ويعتبرون أن الإنتخابات والمجالس البرلمانية بدعة غربية ومحرمة شرعاً، ولايؤمنون بالديمقراطية على الإطلاق.
الأغرب مما سبق أنهم إتجهوا للعنف في التعامل مع المجتمع، وإرتكبوا حوادث عدة خلال أيام قليلة، منها إحراق منزل قبطي وطرد فتاتين كانتا تسأجران شقة فيه، والتهديد بهدم كنائس، بل والأضرحة المقامة في المساجد مثل مساجد الحسين والسيدة عائشة والسيدة زينب في القاهرة، والسيد البدوي في مدينة طنطا، وهو ما يهدد بإحراق مصر كلها، وإشعال فتنة بين المسلمين والمسيحيين، وبين المسلمين أنفسهم، حيث أعلن الصوفيون أنهم سوف يدافعون عن الأضرحة الموجودة في المساجد وبكل الوسائل. ونوه صادق بأنهم يمثلون خطراً حقيقياً على الثورة وعلى مصر كلها.
تقوية الأزهر
لكن كيف يمكن مواجهتم؟، يرد الشيخ جمال قطب رئيس لجنة الفتوى في الأزهر سابقاً، بالقول لـ"إيلاف" إن المطلوب هو تقوية مؤسسة الأزهر بإعتبارها تمثل الإسلام المعتدل، والعمل على إكتسابه هو وعلماءه شعبية لدى المصريين، من خلال فتح وسائل الإعلام أمامهم، مشيراً إلى ضرورة إنتهاج سياسية النفس الطويل مع السلفيين، وعدم ترك الساحة خالية أمام مشايخهم وفتاويهم.
وأضاف قطب أنه مادام السلفيون لا يؤمنون بالديمقراطية بمفهومها الحالي ويرفضون الإنتخابات والدستور، فليس من المقعول أن ينخرطوا في العمل السياسي بشكله الحالي، لذلك من الأفضل منحهم الحق في ممارسة العمل الخيري من خلال الجمعيات الأهلية، وإذا كان ولابد من إقامة حزب سياسي خاص بهم، يجب أن تنص لائحته على الإلتزام بنظام الدولة ومبادئ الديمقراطية.
لا للأحزاب الدينية
في المقابل، يرفض الأقباط إنشاء أحزاب للسلفيين أو الإخوان على أساس ديني.، وقال المفكر جمال أسعد إن تحرك الجماعات أو التيارات الإسلامية للحصول على الشرعية السياسية من خلال الإعلان عن إنشاء أحزاب سياسية نتاج طبيعي لثورة 25 يناير، لاسيما أن تلك الجماعة كانت تعاني القهر والقمع عقودًا طويلة. وأضاف أن المهم في المرحلة المقبلة ألا تنشئ تلك الجماعات أحزابها على أساس ديني، مشدداً على ضرورة تمسك المصريين بالدولة المدنية، وإعلاء شأن المواطن المصري بغضّ النظر عن دينه أو عرقه أو لونه أو لغته، والإعتراف بأحقية المرأة والمسيحي في تولي المناصب العليا، ومنها منصب رئيس الجمهورية، حتى ولو كان من الصعب وصول تلك الفئات إلى هذا المنصب نظراً إلى العادات والتقاليد والتركيبة السكانية، لكن الأعتراف بحقهم من مبادئ الديمقراطية السليمة.
سلفيون مزيفون
من جانبه، قال الشيخ محمود عامر أحد أقطاب السلفية وصاحب فتوى إهدار دم الدكتور محمد البرادعي، لـ"إيلاف" إن هناك فرقًا بين منهج السفلية وسلوكيات بعض السلفيين، موضحاً أن قيام هذا البعض بتطبيق حدود الله أو تغيير ما يرون أنه منكر بأيدهم، قد يكون ناتج من عدم علم، وبالتالي يجب أن نوفر لهم من يعلمهم صحيح الدين. أما إذا كانوا يعلمون فهم بذلك يتجرأون على السلطان أو الحاكم أو يخرجون عليه، وهو الذي يمنحه الإسلام حق تطبيق الحدود.
وفي هذه الحالة يجب على السلطان أن يردعهم، وهو في حالتنا المصرية الراهنة المجلس الأعلى للقوات المسلحة برئاسة المشير حسين طنطاوي، إذ إن تطبيق الحدود موكل للإمام أو للحاكم بنص واحد من أهم مراجع السلفية، ألا وهو كتاب "شرح العقيدة الطحاوية"، وأشار عامر إلى أن من يأتون تلك الأفعال ليسوا سلفيين، وإن وافقوهم في مظاهر إطلاق اللحية وتحجيب نسائهم، ووصفهم بأنهم "سلفيون مزيفون".
وحول التناقض الواضح في رفض السلفية للدستور والإنتخابات البرلمانية، وفي الوقت نفسه يطالبون بإنشاء حزب سياسي وخوض الإنتخابات، قال عامر إن من يصفون أنفسهم بالثوريين أو الليبراليين أو الديمقراطيين هم المتناقضون مع أنفسهم، موضحاً أنهم ارتضوا صناديق الإنتخابات حكماً بين الناس، وعندما جاءت النتيجة على غير هواهم يرفضونها، ويريدون حرمان غيرهم من ممارسة الديقراطية.
وأضاف عامر أن السلفيين لا يرون أن الدستور أو الأحزاب السياسية أو الإنتخابات البرلمانية حراماً طالما هم ليسوا ولاة الأمر، بل مجموعة من الناس، ليس في مقدورهم إقامة شرع الله. وتابع قائلاً: إن السلفيين يعتبرون أن الدستور مباح شرعاً طالما لا يتعارض مع نص صريح في الشريعة الإسلامية، وإذا حدث ذلك فهم يرفضونه، فمثلاً إذا تضمن نصوصاً تبيح ولاية النصارى أو المرأة باسم الإسلام فهذا يخالف الشريعة، وسوف يرى من يضع تلك النصوص ردود فعل شديدة، وهي في هذه الحالة ليست مذمومة، لأن الآخرين هم من خالفوا الشريعة عن قصد.
وإذا ورد باسم الليبرالية أو الديمقراطية فلا شيء فيه. وإذا وضعت نتيجة موءامات سياسية أو بسبب الضغوط الخارجية يعذر السلطان في هذه الحالة إلى حين زوال تلك أسباب العذر.
وعما إذا كان مازال مصراً على فتواه التي يهدر فيها دم المرشح الرئاسي الدكتور محمد البرادعي، قال عامر إنه لم يهدر دمه، مشيراً إلى أن بعض مشايخ الإخوان وجماعة أنصار السنة المحمدية إفتروا عليه هذا القول. وعندما وجهناه بنص الفتوى الذي مازال موجوداً على موقعه الإلكتروني، قال إنه كان يشرح نص حديث صحيح، ولم يصدر فتوى بإهدار دم البرادعي، وقال "أنا لم أقل إن من وجد البرادعي راكباً أو ماشياً فليقتله، بل قلت إن من يخرج على الحاكم ويرتكب أفعالاً تسبب فتنة، يجب على الحاكم أن يستيبه من تلك المعصية، وأن يردعه، وإذا رأى في قتله مصلحة للناس فليفعل، وهذا حكم شرعي لا يرتبط بالحاكم السابق أو بشخص البرادعي أو بالإنتخابات السابقة، وأنا لم أتراجع عن تلك الفتوى لأنها شرح لحديث نبوي صحيح، ولم تكن موجهة ضد شخص بعينه، كما إنها لم تكن فتوى، بل مقالاً".